ما بعد الموت

الحمد لله تم تفريغ محاضرة
" ما بعد الموت"
للشيخ د.محمد العريفي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله بعثه ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون إن من عظيم منة الله عز وجل على عباده أن هيأ لهم أبوابا من الخير والإحسان تكون دائمة لهم حتى بعد وفاتهم وانقضاء حياتهم ، إن أهل القبور هم في قبورهم محبوسون بأعمالهم التي عملوها قبل موتهم لكن الله تعالى تفضل إن كانوا قد عملوا أعمالا مخصصة يدوم نفعها وبرها فإنها تجري عليهم حتى بعد موتهم ، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى " إن من الناس من يموت وتبقى حسناته بعده تعيش مائة ومائتي سنة تجري عليه في قبره ثوابها ، وإن من الناس من يموت وتبقى عليه سيئاته مائة ومائتي سنة يجري عليه وزرها وجزاؤها"
والله جل وعلا بين في كتابه أنه لا يضيع أجر المحسنين فقال سبحانه وتعالى "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَ‌هُمْۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢ سورة يس، فيكتب الله عز وجل ما قدموه قبل موتهم من صلاة وصدقة وذكر وبر لوالدين وحج وعمرة إلى غير ذلك " وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا" قال " وَآثَارَ‌هُمْ" يعني ونكتب آثارهم التي تركوها في الدنيا. فما هي هذه الآثار التي يستطيع العبد أن يعملها اليوم وربما لا يبذل فيها مالا كثيرا أو جهدا ومع ذلك يجري عليه ثوابها ويدوم له أجرها حتى يلقى الله عز وجل .
تعالوا نقف على حديث صحيح بين فيه النبي عليه الصلاة والسلام سبعة أنواع يجري على العبد بعد موته الثواب لعلنا نكون ممن يجري عليه ثوابه إذا عملها. من حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :"سبع يجري للعبد أجرهن ، و هو في قبره بعد موته : من علم علما ، أو أجرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أوغرس نخلا ، أو بنى مسجدا ، أو ورث مصحفا ، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته 
الراويأنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدرصحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3602خلاصة حكم المحدثحسن 

تعالوا أيها الأفاضل نقف على شيء مما بينه النبي عليه الصلاة والسلام في هذه السبع لعل عامل منا يعمل بها وهو لا يدري متى يفجأه الموت فيقطع عليه عمره وعمله . 
قال عليه الصلاة والسلام :"...من علم علما.." وفي حديث آخر بين صلى الله عليه وسلم أنه ليس من شرطك حتى تكون معلما للعلم أن تكون قد حفظت القرآن والكتب الصحاح وأتقنت الفقه والتفسير والحديث بل مهما بلغت ولو شيئا يسيرا من العلم فأنت ممن علم العلم الذي يستمر له أجره إلى يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام :"بلغوا عني ولو آية"
الحديث:

بلغواعني ولو آيةً ، وحدثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرجَ ، ومن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مقعدَه من النارِ
الراوي:عبدالله بن عمرو المحدث:البخاري - المصدر:صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3461
خلاصة حكم المحدث: [صحيح
القرآن فيه أكثر من ستة آلاف آية ولو أنك بلغت ولو آية واحدة لكنت ممن علم علما ، قال "بلغوا عني ولو آية" وفي الحديث الآخر بين عليه الصلاة والسلام فضيلة نقل العلم إلى الآخرين فقال صلى الله عليه وسلم :"رُبَّ حامِلِ فِقْهٍ ليس بفَقِيهٍ ، رُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إلى مَن هو أَفْقَهُ منه .
الراويزيد بن ثابت المحدث:الألباني - المصدرفقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 39
خلاصة حكم المحدثصحيح 
أو كما قال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر ألا تحتقر شيئا تبلغه للآخرين فقال عليه الصلاة والسلام :" إنَّ اللهَ و ملائكتَه ، حتى النملةَ في جُحْرِها ، و حتى الحوتَ في البحرِ ، لَيُصلُّون على مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ
الراويأبو أمامة الباهلي المحدث:الألباني - المصدرصحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1838
خلاصة حكم المحدثصحيح 
العلم أيها الأفاضل مراتب أعلاها أن يعلم الإنسان ما يتعلق بصفات الله عز وجل وأسمائه فإن شرف العلم بشرف المعلوم ، فإذا كان ممن يعلم علم العقيدة فينبه الناس إلى ما يتعلق بأمور الشرك التي انتشرت ،سمع أحدا ربما حلف بغير الله تعالى فقال له : اتق الله ، هذا لا يجوز قال عليه الصلاة والسلام من كان حالِفًا، فلْيَحلِفْ باللَّهِ أو لِيَصْمُتْ) .
الراويعبدالله بن عمر المحدث:البخاري - المصدرصحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2679
خلاصة حكم المحدث: [صحيح
ثم ساق له حديثا أو حديثين فإن لم يحفظهما بين له أن هذا محرم فصار ذلك الشخص كلما أراد أن يحلف بغير الله تذكر ذلك العلم الذي علمه ذلك الإنسان ، فأنت ممن علم علما وربما أن هذا الرجل علم هذا العلم لزوجته وعلم هذه المعلومة لأولاده أو علمها لأبيه وأمه أو علمها لبني قومه ممن ينتشر عندهم الحلف بغير الله فكنت أنت ممن يجري لك أجرك في قبرك لأنك علمت علما. أو أنك علمته شيئا من الفضائل فقلت له مثلا قال عليه الصلاة والسلام :" من قال سبحانَ اللهِ وبحمدِه غُرِستْ له نخلةٌ في الجنَّةِ
الراويعبدالله بن عمرو المحدث:المنذري - المصدرالترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 2/347
خلاصة حكم المحدثإسناده جيد 

قلت له هذا الحديث ثم عمل به هو ثم حدث به هو أيضا حدث به أهله وحدث به ذويه ومن عنده فكان كلما نقل هذا العلم إلى أحد كان لك مثل أجره .

"من علم علما" بلا شك أنه يجري له ثوابه عند الله عز وجل فإذا كان الإنسان طلب العلم أكثر وأصبح يعظ الناس ويلقي عليهم الدروس أو يؤلف الكتب أو ربما كان ناقلا للعلم وإن لم يكن حاملا له بمعنى أنه حفظ حديثا معينا أو قرأ شيئا نافعا يتعلق بأمر منتشر عند الناس معصية أو مخالفة أو خطأ منتشر عند الناس فقرأ معلومة تتعلق به فكتبها وطبعها ثم علقها في مسجد وأصبح يقرأها الغادي والرائح أو كان طالبا في الجامعة علقها في بعض الأماكن أو في مدرسته أو في عمله وإننا لنفرح إذا دخلنا بعض هذه الأماكن من جامعة أو بعض الدوائر الحكومية ثم رأيتها معلقة بشكل جميل حسن مكتوب عليها بعض الأحاديث أو بعض التذكير بأسلوب مناسب مختصر إنك لتسر وتدعو أيضا لهذا الذي قد علقها ، هذا بلا شك أنه من تعليم العلم أو إذا نشر العلم بالوسائل الحديثة اليوم كمن ينشرها من خلال صفحات الانترنت مثلا ثم لا يدري أين تبلغ هذه الفائدة التي كتبها ، ربما كتبتها أنت هنا وقرأها رجل في استراليا أو ربما قرأها في أمريكا أو في أدغال أفريقيا وكلما قرأ هذه المعلومة أحد كان لك مثل أجره بإذن الله تعالى وأنت لا تعلم عنه ولكن العليم الخبير جل في علاه يعلم عنه ولا يضيع أجر المحسنين. أو استعمال الجوال في بث هذا العلم ، ما يتعلق بالبلوتوث الذي يتناقل لو كتب بعض النصوص أو بعض الأمور المؤثرة أو بعض المواعظ أو ما شابه ذلك ثم إذا ذهب إلى مكان عام نشرها بين الناس فهذا أيضا من تعليم العلم الذي يؤجر عليه الإنسان .

المقصود أيها الأحبة الكرام ألا ينصرف الذهن إذا سمعت قوله عليه الصلاة والسلام :" سبع يجري للعبد أجرهن ، و هو في قبره بعد موته : من علم علما..." لا ينصرف ذهنك إلى أن هذا خاص بهيئة كبار العلماء أو بكبار طلبة العلم أو بأئمة المساجد والدعاة ، أما أنا فلست واحدا من العلماء ولا واحد من أئمة المساجد وبالتالي لا أستطيع أن أفعل شيئا ، كلا، كلنا يستطيع أن يعلم ولو شيئا يسيرا ينطبق عليه به هذا الحديث.

قال " من علم علما" ثم قال "أو أجرى نهرا" يعنى أقبل إلى شيء من الجداول أو العيون ثم شق لها طريقا حتى تصل إلى مكان ربما كانت بعيدة عنه فإذا كان الناس يأتون لذلك المكان ليستقوا من النهر فقد يسر لهم ذلك وسهله عليهم وهذا أيها الأحبة فيه الأمر بالإحسان إلى كل الخلق وذلك أن النهر إذا شققته وقربته أنت لا تقربه فقط إلى المسلمين، ربما كان هذا البلد مختلط فيه المسلمون بغيرهم وفيه شيئ من الدواب تأتي وتشرب من هذا النهر ومنهم من يستعمله للشرب أو للغسل أو للاغتسال وهذا فيه الأمر بالإحسان المجمل إلى كل الناس وهذا هو الإسلام. الإسلام أمر أن يكون الإنسان محسنا إلى الجميع كما قال الله عز وجل "... وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥ سورة البقرة. وكان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى الجميع ، يحسن إلى الكبير والصغير ، يحسن إلى الغني والفقير ، يحسن إلى الرجل والمرأة ، يحسن إلى المسلم والكافر ، ربما يحسن إلى الصديق وإلى من يعلم منه العداوة ومع ذلك يحسن إليه ويقابل سيئته بالإحسان وهذا مما يقرب الناس إلى الخير .

قال "أو أجرى نهرا" ، قال"أو حفر بئرا" وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور بينما امرأة بغي من بني إسرائيل تسير إذ أصابها العطش فنزلت إلى بئر وشربت الماء ، هذا البئر إما ليس فيه دلو أو ليس فيه حبل المقصود أن الذي يريد أن يشرب لا بد أن ينزل بنفسه إلى داخل البئر ويشرب، فلما صعدت فإذا كلب يطوف بهذه الركية يطوف بالبئر يشم رطوبة الماء ولا يستطيع أن يشرب وأخذ يأكل الثرى من حول البئر أي بعض الطين من شدة العطش ، قالت المرأة البغي قالت لقد أصاب هذا الكلب من العطش مثل ما أصابني ثم نظرت فإذا هي لا تستطيع أن تستخرج له الماء بدلو فنزلت وملأت خفها بالماء ثم أرادت أن تصعد فإذا هي تحمل الخف بيد ولا تستطيع أن تصعد بيد واحدة فعضت على هذا الخف بفمها ثم أخذت تصعد حتى أسقت هذا الكلب ، قال عليه الصلاة والسلام فنظر الله إليها، الله الذي لا تخفى عليه خافية ، الله الذي لا يغفل ولا ينام ، الله سبحانه وتعالى الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، الله الذي لا يشغله شأن عن شأن ولا تلتبس عنده الحاجات ، الله جل وعلا نظر إليها قال عليه الصلاة والسلام فغفر لها . غفر لها لأنها أسقت كلبا ، فبالله عليك ما هو ثواب من حفر هذا البئر ؟!! إذا كان من استقى من هذا البئر غُفر له فما بالك بمن كان السبب الأصلي لوجود هذا البئر فأقبل وحفره. قال"أو حفر بئرا"

واليوم عن طريق عدد من الجمعيات الخيرية يمكن للإنسان أن يحفر بئرا في عدد من البلدان وبعضها يكلف ما لا يزيد عن خمسة آلاف ريال أو سبعة آلاف ريال وينتفع به عدد كبير من المسلمين وربما رأيتم في بعض ما ينشر عن أحوال بعض اللاجئين في عدد من البلدان سواء من المسلمين أو من غيرهم ترون بعض الآلات التي يحركها الأطفال بأيديهم ويرفعونها وينزلونها شيئا يسيرا فيستخرجون به الماء هذه آبار حفرت صدقة عليهم وأنت تراهم يزدحمون لأخذ الماء منها ، فمن حفرها كان له أجره ومثله من وصل الماء إلى الناس فتبرع مثلا ببراد لشرب الماء تبرع بها لمسجد أو وضعها في سوق أو وضعها في مدرسة أو ربما زار بعض البلدان فرأى جامعة مثلا فقيرة والطلبة لا يكادون يجدون ماءً باردا فأعطاهم مبلغ لشراء هذه البرادة ، فكل من أسقى الماء له أجر ، المقصود من حفر البئر أن يشرب الناس الماء فإذا وصلت لهم الماء بأي سبيل انطبق عليك هذا الحديث ، قال "من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا.

أو غرس نخلا ، والنخل هو سيد النباتات ونفعه عظيم سواء بثمره الذي يخرج منه أو بليفه الذي يكسوه أو بجذوعه أو بسعفه ، النخلة كل شيء فيها نافع كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لما قال أخبروني بشجرة من الشجر مثلها كمثل المؤمن ، يعنى كل شيء فيها نافع كما أن المؤمن كل شيء فيه نافع ، كلامه نافع ونصحه نافع ويده نافعة ورجله نافعة وماله نافع وعقله نافع ، فيقول عليه الصلاة والسلام نبئوني عن شجرة هي كلها نافعة كما أن المؤمن نافع ثم أخبرهم صلى الله عليه وآله وسلم أن المقصود بها النخلة.

الحديث

أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ولا تحت ورقها . فوقع في نفسي أنها النخلة ، فكرهت أن أتكلم ، وثم أبو بكر وعمر ، فلما لم يتكلما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هي النخلة . فلما خرجت مع أبي قلت : يا أبتاه ، وقع في نفسي أنها النخلة ، قال : ما منعك أن تقولها ، لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا ، قال : ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبًا بكر تكلمتما فكرهت .
الراويعبدالله بن عمر المحدث:البخاري - المصدرصحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6144
خلاصة حكم المحدث: [صحيح

والنخلة ربما تغرسها اليوم ولا يظهر ثمرها إلا بعد أربع سنين أو خمس أو تزيد على ذلك ومع ذلك أنت تؤجر كل من أكل منها من طير أو من بشر أو من حيوان أو من غني أو من فقير ، كل من أكل من ذلك فلك مثل أجره بإذن الله .

قال "من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا.

والكلام عن فضل بناء المساجد لا يحتاج إلى إطالة الكلام فالنبي عليه الصلاة والسلام حث على ذلك وبنى المسجد صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه مع أصحابه ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح :"

من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة
الراويعبدالله بن عباس المحدث:العقيلي المصدرالضعفاء الكبير - الصفحة أو الرقم: 3/323
خلاصة حكم المحدثيروى بأسانيد صالحة 
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا كما في الصحيح وهذا الحديث ينبه أنه ليس شرطا أن يكون مسجد واسع الأطراف جميل البناء له مرافق كثيرة وإنما موضع مناسب ليصلي فيه الناس ، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح قال :" من بنى للَّهِ مسجدًا قدرَ مفحصِ قطاةٍ" 
القطاة نوع من الطير إذا أراد أن يبيض أقبل وحفر في الأرض شيئا يسيرا وباض فيه فحص في الأرض ثم باض ، فيقول عليه الصلاة والسلام :" من بنى للَّهِ مسجدًا قدرَ مفحصِ قطاةٍ – يعنى مسجد صغير غير مكلف وغير متكلف فيه - بنى اللَّهُ لهُ بيتًا في الجنَّة
الراويأبو ذر الغفاري المحدث:الهيثمي - المصدرمجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10-Feb
خلاصة حكم المحدثرجاله ثقات 
فلا تحتقرن شيئا وهناك عدد من المساجد إذا لم تستطع أن تبنيها فانفع المسجد بما تستطيع كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة في صحيح مسلم لما ذكر لها المسجد الأقصى قال فإن استطعت أن ترسلي إليه بزيت - يعني لتشعل به السرج هناك - قال فإن استطعت أن ترسلي إليه بزيت أو قال بطيب أو ما شابه ذلك بين عليه الصلاة والسلام أنه ليس بشرط أن تشارك في بناء المسجد إنما تشارك ولو بشيء مما يسير به أمر المسجد من إسراجه أو طيبه أو تنظيفه أو ما شابه ذلك.
فإذا بنى المرء مسجدا حقيقيا سواء في بلده أو في بلد خارجي وحرص على أن يكون مسجدا مناسبا ولم يتكلف كثيرا ببناءه وكثرة تزيينه وتحميره وتصفيره فإنه بذلك يؤجر. أو بنى مسجدا.
ثم قال عليه الصلاة والسلام "أو ورث مصحفا" ، وهي سادسها قال "أو ورث مصحفا" وذلك إما بطباعة المصاحف وهذا ليس شيئا صعبا ، الآن إذا ذهبت إلى بعض البلدان مثلا ذهبت إلى المطابع المشهورة في مصر أو المطابع المشهورة في لبنان أو ما شابه ذلك إما الطباعة عندهم يكون فيها قلة في السعر فجئت إليهم وأعطيت لهم مصحفا وقلت أنا أريد أن أطبع من هذا المصحف مثلا ألف نسخة ، بعض المصاحف لا يكلف مثل المصاحف الموجودة في المسجد اليوم ، لو أردت أن تطبعها هناك لا تكلف إلا أربعة ريالات وشيء يسير ولو كان المصحف أقل كلف عليك ريال وعشرين هللة أو ما شابه ذلك فتصبح هذه الألف مصحف لا تكلف إلا خمسة آلاف ريال أو أقل من ذلك إذا كان حسب جودة الورق والتجليد وغير ذلك . فلو أن الإنسان فعل ذلك بعض من يسافر مثلا إلى مصر أو إلى لبنان يسافر إلى بعض هذه البلدان أو اشترى مصاحف قال أنا أريد أن اشتري مثلا ألف مصحف ووزعها في بعض المساجد مثلا أو جاء بهذا المصحف حتى لو كان هنا في بلدنا وأخذ هذه الأربع مصاحف أو خمسة ودخل إلى البقالة وسأل العامل أنت وقت الفراغ لماذا لا تقرأ القرآن تفضل هذا مصحف هدية وذهب مثلا إلى المستوصف ورأى صالة الانتظار ووضع فيها مصحفا مثلا أو كان في أي مكان في مساجد المحطات أثناء الطريق وقف ليصلى في مسجد محطة ذهب ووضع فيه مصحفا ، في الغالب أن المصاحف تحفظ أكثر من غيرها فلو أنه وزع كتبا ربما تناقلته الأيدي وحٌمل مرة بالسيارة ومرة وقع عند الرجلين ومرة حمله طفل ومرة امرأة فربما تلف الكتاب ، أما المصحف فجرت عادة المسلمين أنهم يكرمونه ويحافظون عليه ، فقال عليه الصلاة والسلام "أو ورث مصحفا" . ما أجمل لو سافر الإنسان إلى بعض البلدان يحمل معه في حقيبته أربعة مصاحف خمسة مصاحف أحيانا تركب الطائرة ويكون الطائرة بقي عليها ساعتان للوصول فأهديته لمن بجانبك فقرأ منه ، هناك بعض المصاحف تٌباع بأربعة ريالات أو خمسة ريالات موجودة أيضا في بلادنا يمكن للإنسان أن يورثها وأن ينطبق عليه هذا الحديث.

قال "من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا صالحا يدعو له بعد موته.

الكلام عن الولد الصالح ودعائه لأبيه يحتاج إلى تفصيل وتأمل لعلنا نذكره إن شاء الله في الخطبة الثانية 

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين ..

أما بعد أيها الإخوة الكرام ختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم "أو ترك ولدا صالحا يدعو له" . كيف يكون الطريق إلى هذا الولد الصالح ، قال الله عز وجل لما ذكر قصة موسى مع الخضر وكيف أن الخضر عليه السلام رأى جدارا يريد أن ينقض فأقامه فقال له موسى لو شئت لاتخذت عليه أجرا نحن في قرية استطعمنا أهلها فلم يطعمونا فنحن جائعان فهذا الجدار الذي أصلحته بالمجان لو شئت عن صاحبه فقلت له أعطني أجرتي على إصلاحي لجدارك ثم بين له الخضر بعد ذلك لماذا أصلح هذا الجدار ومن هو مالك هذا الجدار وما السبب الذي دفعه لإصلاح الجدار ، قال بعد ذلك " وَأَمَّا الْجِدَارُ‌ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا - هذا أمر طبيعي كثير من هذه الجدران وهذه البساتين تكون لغلمان ويكونون أيتام وفي الغالب أنهم ليسوا فقراء لأنهم يملكون جدارا على بستان وبالتالي عندهم شيء من المال قال " وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا " تحته مال مخبأ ، طيب هذا أمر طبيعي وكان هذا فعلهم يخبئون الأموال في باطن الأرض ، لكن ما الذي دفعك أيها الخضر لأجل أن تبذل هذا المعروف؟ - قال " وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا " قال ابن كثير كان جدهما السابع صالحا فال زال الصلاح في ذريته حتى وصل إلى هذين الغلامين ، انظر كيف يسوق الله تعالى الخير إلى الذرية بصلاح الآباء أو صلاح الأمهات أو الأجداد .

وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا " إذا كان الأب صالحا تأثر بذلك أولاده ، الولد الذي يرى أباه يصلي في البيت السنن كما قال عليه الصلاة والسلام "اجعَلوا من صلاتِكم في بيوتِكم . ولا تتخِذوها قبورًا
الراويعبدالله بن عمر المحدث:مسلم - المصدرصحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 777
خلاصة حكم المحدثصحيح 

وبين في الحديث الآخر أن صلاة المرء في بيته للنافلة تفضل على صلاتها في المسجد كفضل الصلاة المفروضة في المسجد على صلاتها في البيت ،

الحديث

فضل صلاة التطوع في بيته على صلاة المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت 
الراويضمرة بن حبيب بن صهيب المحدث:العراقي - المصدرتخريج الإحياء - الصفحة أو الرقم: 1/272
خلاصة حكم المحدثمرسل ورواه ابن أبي شيبة في المصنف فجعله عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا 

فصار الأبناء منذ صغرهم يروون أباهم يصلى الضحى ويصلي سنة الظهر ويصلي سنة المغرب أمامهم ويسمعون الذكر منه ويأخذهم إلى المسجد 

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

فإذا رأى الأبناء ذلك من صغرهم بدأت هذه الأمور تزرع في أجوافهم وفي قلوبهم تنطبع حتى لو مرت بهم شهوة من الشهوات وضلوا الطريق فترة من الفترات إلا أن الفطرة لا تزال سليمة فلا يزال حتى لو غوى بشيء من الشهوة لا يزال هو حري أن يرجع إلى الحق لأن فطرته سليمة ، إذا صلاح الأب.

الأمر الثاني الدعاء للولد في حياتك ، وأصلح لي في ذريتي ، نحن ربما ندعو لأنفسنا ، ندعو بالمغفرة ندعو لوالدينا نرى أولادنا أمامنا فننسى أن ندعو الله تعالى أن يحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، الفتن بالنظر الفتن بالصحبة وغير ذلك. ادع دائما لأولادك أن يصلحهم الله فإن كانوا صالحين اسأل الله تعالى أن يثبتهم على صلاحهم. إذا كان إبراهيم عليه السلام يبني البيت الحرام بأمر الملك العلام ويقول " "....وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥" سورة إبراهيم " ، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم ، إذا كان أنت يا إبراهيم عليه السلام رأس الموحدين وابنك إسماعيل معك يبني ومع ذلك تقول "....وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥" سورة إبراهيم ، نعم إنه الدعاء للنفس وللأولاد بالصلاح والثبات على الصلاح. لما سألت عائشة رضي الله عنها ما أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام قالت كان أكثر دعائه "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" .

وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضل أن ندعو لآبائنا فقال عليه الصلاة السلام "إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ ؛ صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتَفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدْعو له
الراويأبو هريرة المحدث:الألباني - المصدرصحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 793
خلاصة حكم المحدثصحيح 

" وفي هذا الحديث بين صلى الله عليه وآله وسلم أن مما يجري لك به الثواب أن يكون أولادك يدعون لك .

أيضا في الترمذي وغيره في الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :" إن الله ليرفع درجة العبد في الجنة فيقول : يا رب ، أني لي هذا ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك
الراويأبو هريرة المحدث:البوصيري - المصدرإتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 5/526
خلاصة حكم المحدثإسناده حسن 

أخيرا أيها الأحبة الكرام جمع بعض العلماء الأعمال التي يبقى ثوابها للعبد حتى بعد موته جمعها في أربعة أبيات فقال:

إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم لَيْسَ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ فِعَال غَيْر عَشْر

عُلُوم بَثَّهَا وَدُعَاء نَجْل وَغَرْس النَّخْل وَالصَّدَقَات تَجْرِي

وِرَاثَة مُصْحَف وَرِبَاط ثَغْر وَحَفْر الْبِئْر أَوْ إِجْرَاء نَهَر

وَبَيْت لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي إِلَيْهِ أَوْ بَنَاهُ مَحَلّ ذِكْر

اسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن يحرصون على العمل الصالح واسأل الله أن يتقبله منا وأن يرزقنا الإخلاص له وحده لا شريك له ، اسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يجري لهم ثوابهم بعد موتهم ، اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ، اللهم إنا نسألك من الخير كله ونعوذ بك من الشر كله ، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين عامة وولي أمرنا خاصة لما تحبه وترضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. اللهم أصلح لهم بطانتهم واكفهم بطانة السوء يا حي يا قيوم ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2013 © لـ مدونة خواطر